فيه حاجة غلط بقلم جهاد نوار
فيه حاجة غلط
دراما العنف،و الموت
رمضان شهر الخير،و البركة،و المحبة
و من أهم شهور العام،لأنه فيه بنغسل روحنا من هموم باقى العام السابقة،و اللاحقة،لذلك كانت الهيئات المختصة عن
الإنتاج الفنى،و أعمال رمضان،تهتم بما يقدمونه على الشاشة.
و أهم أدواتهم فى هذا الشهر،كانت جرعات مركزة من الأعمال
الدينية،التى تعمل على تقريبنا من الله،و تحمل طابعا تاريخيا
أيضا لشخصيات هامة فى تاريخنا الإسلامى.
ذلك لأن كان هناك دورا هاما للأزهر،و رجال التاريخ
للهيئات المنوطة بالرقابة على اللغة،و على أى عمل قبل خروجه للنور،حتى الحالات التى تحتاج لاستشارات قانونية،او صحية لم تكن موضوعة بلا أى رقابة.
كان الاهتمام ببث القيم، و الأخلاق الحميدة ،فى كل ما يقدم هو الهدف الأكبر،سواء فى نهار رمضان،أو مسائه،و للغتنا العربية كان هناك مساحة كبيرة،اليوم تم تقليصها.
لم تُجرح عيونا يوما بمشهد خليع،و لا عنيف،كما نرى اليوم
فى هذا الكم الرهيب من المشاهد،و الأفكار السلبية،التى ستؤثر على الوعى المجتمعى .
حتى الطفل كان له مكانة خاصة،و مذيعات منتهى الروعة
سواء فى المظهر ،و الثياب،أو فيما يقدمونه لنا كأطفال
مشهد خلت منه شاشاتنا اليوم،و إن وجد،نجده يحاكى كل
ما لا يتفق مع الطفولة،و لا يعبر عن عالمها البريئ .
فكل ما يقدم ،خاصة الآن ،يشعرنى،و كأن مؤلفى أعمال رمضان لهذا العام على الأقل،تم تجميعهم بالقوة،و طرح عليهم الكتابة عن فكرة واحدة ،أو فكر معين،بطرق مختلفة لسبب ما
و إلا ما كنا رأينا هذا التكرار الممل لنفس القضايا،و نفس الفكرة، و ذات المضمون فى أكثر من عمل اتفقوا جميعا على أن القتل،و الانتحار،و البلطجة،و غياب سُلطة القانون ،و كأننا فى غابة بلا قوانين،تحت عناوين مختلفة فقط فى الاسم،لمنتجين،و مؤلفين،و ممثلين و مخرجين عدة،لكن القضية واحدة جريمة قتل،و هارب مظلوم،أو قاتل تم التغطية عليه،كأنهم أكبر من القانون.
نفس المشاهد مستوحاه من كُُتاب الماضى ،البطل الوحيد فى كل عمل يكاد يكون هو أغانى التتر،و إن تشابهت بعض الكلمات أيضا فى مضمونها،بسبب القصص.
فالأغنية تعبر عن البطل المطحون المظلوم،الكاره،أو المعاتب
للدنيا،و قسوتها،و ميزان حرارة كل قصة،هو تترها الذى يحكى
عن مأساتها،و إن تغيرت الموسيقى،و كان لها دورا مميزا فى أكثر من عمل منهم محمود طلعت كموسيقى تصويرية
تابعت أربع أعمال،لم أر فيهم اختلاف كبير،صيد العقارب ،الذى لم يعبر عن إسمه حتى الآن، ففى البداية ،ظننته،عن عالمة،و سوف يكون عمل علمى ،يناقش حياة مختلفة لكن تحول فجأة لقاتل،و مقتول،و حرب بين رجال أعمال،مع زج الصعيد بأهله،و عادة التار التى استهلكت فى كثير من الأعمال، تقريبا لم تعد متواجدة على أرض الواقع.
لكن برزت فيه بعض الوجوه المميزة،كالنجمة الجميلة سيمون
بمظهرها المحتشم،و الذى أدت دورها ببراعة،عبرت فيه عن المرأة
الشريرة فى هدوء،حتى صخب الحزن المعتاد من البعض،و التشنجات
تخطتهم هى بالصبر،الذى يعترى بعض المكلومات،فكانت أقرب للطبيعة
كذلك شخصية مصطفى دور مختلف،و ياسين ،شخصيات هادئة وسط كل هذا الزخم من العصبية،و مشاعر الانتقام
أما مسلسل سر إلهى،نفس الحالة،قتيل،و هاربة مظلومة ،و مسار إجبارى ليس إلا ماتش من عدة جولات،و مسلسل مُحارب قد تميز فيه وجه الحاجة آمنه،التى خطفت الكاميرا ببراعة ملحوظة، برزانتها،و طبيعتها،كوجه مصرى بدون أى رتوش،و السيناريو معها كان مختلفا تماما ،فهى تمثل الوجه المشرق فى رمضان بالنسبة لى،شخصية تبث القيم الأسرية الجميلة،التى افتقدناها،على لسان المرأة الصعيدة القوية،لا أعرف اسمها كفنانة،لكنها جعلتنى أتابعها بشدة،كذلك بعض مشاهد الحارة المصرية التى افتقدناها.
فيما عدى ذلك،و إن تألق بعض الفنانين،كالرداد،بشخصيته الهادئة المظلومة ،لكن يأتى مشهد الانتحار المتكرر،من إنجى،و ابراهيم ،و الذى كان يجب منعه من الرقابة فهو تصدير لحالة جديدة،من التذمر تخالف شرعنا،و ديننا.
نتمنى أن يكون هناك اهتمام بالعمل الرمضانى على الأقل،مع البحث عن فكر جديد،لتلافى مناطق الهبوط الفنى،و الدعوة للفجور،التى زادت فى المسلسلات،التى صارت أفلام سينيما.
ألا يكفينا ما حدث للغناء،بسبب أيضا تدخل الفنان،أو الملحن فى وضع كلمات معينة،بدلا من الاستماع لما كتبه المؤلف قبل أن يراه،و النتيجة فن هابط،و مفردات ركيكة،و فكر معوج،لأن الاختصاص اندثر.
إن الكاتب هو الوحيد القادر على تغيير مجتمعه،بفكره،و لا يجب توجيهه ،و التدخل فى كتاباته،إلا لو خرج عن المألوف فمتى تدخل الغير فى صناعة أفكاره،انحدرت الأسس،و ماتت الفكَر،و أُهدرت الملايين،لضخ مزيدا من الأجساد،ذات الوجوه الشريرة،مجرد رجال بعضلات لا مبربر لها،أو نساء عرايا يتخذها الناس قدوة لهم،فأين القيمة التى نلهث لنتقلد بها؟
كم افتقدنا الجمال،و الأخلاق،و الرقى،و ضاعت هيبة كلمة عيب،و حل محلها تريند،و أعلى مشاهدة،
رحم الله مسلسلاتنا أيام صيام صيام،و أنا ،و انت و بابا،و غدا تتفتح الزهور، نهاية العالم ليست غدا،و فيه حاجة غلط.
و وسط كل ذلك هناك مليحة،مسلسل بطعم العروبة،و كنت أظن إن رمضان هذا العام،سيكون متأثرا بأهم أحداث الألفية الثالثة،و مأساة
غز ة،لكن لم أجد ما يعبر عنها سوى مسلسل مليحة،بطولة دياب،فى
دور جديد عليه،و أحداث مختلفة،و إن كان أيضا عنوانها الموت
و ما زالت دراما رمضان،متشابهة المشاهد،حتى حل المشكلات نفس أسلوب القدامى،و كل حد عنده مشاكل نفسية،بفلوسه ينتج مسلسل يصرخ،و يخرج كل الشحنات السلبية علينا،أما الكوميديا منتهى السخف
نعم فيه حاجة غلط،لكنها غلط بالفعل...
جهاد نوار
تعليقات
إرسال تعليق